عندما تسأل أي شخص عن كلمة (الإرشاد المهني) فقد يجيبك بأنها المساعدة في إيجاد عمل. وقد يكون الشخص ممن خضع يوماً لاختبار من اختبارات الشخصية في مرحلة ما من حياته وخرجت له بنتائج عامة غير واضحة أو حتى نصحته بمهن لا يميل لها ولا يحبها أصلاً..! في هذا المقال سأتحدث بشكل مركز عن مجال الإرشاد المهني .. هذا المجال المميز من مجالات الإرشاد والذي عانى من الإهمال الشديد في عالمنا العربي عامة وفي المملكة العربية السعودية بشكل خاص حتى تكاد لا تجد جهة معتمدة تقدم هذه الخدمة بالطريقة الصحيحة والمتكاملة.
كانت بدايات الإرشاد المهني في بدايات القرن الماضي مع ظهور العالم الصناعي حيث بدأت الأسئلة حول المهن ومناسبتها للأشخاص المختلفين. في ذلك الحين ظهر العالم (فرانك بارسونس Frank Parsons) في عام 1909 م ليطرح رؤيته المميزة والتي شكلت مجال الإرشاد المهني لعشرات السنوات بعدها. حدد (بارسونس) مجال الإرشاد المهني عبر الخطوات الثلاثة التالية:
- تطوير فهم واضح للذات (القدرات، الميول، الاستعدادات، نقاط الضعف والقصور)
- تطوير المعرفة بسوق العمل من حيث المتطلبات والمزايا والعيوب والفرص والدخل المادي وسبل النجاح وغير ذلك مما يتعلق بالمهن المختلفة
- العمل على التفكير في العنصرين السابقين من اجل اتخاذ القرار المهني
استمرت النظرة للإرشاد المهني بهذه الطريقة إلى وقت قريب حيث تعرض مجال الإرشاد المهني إلى تغيير كبير خاصة بعد تأثره بالعوامل التالية:
- الانتقال من التنافس العسكري إلى التنافس الاقتصادي وبروز اقتصاد المعرفة
- التطور التقني والمعرفي والذي أدى إلى تعقد عالم الأعمال والمهن
- تزايد التركيز على الفعالية والإنتاج والتميز
- التغيير الجذري في عالم الأعمال والذي ألغى فكرة (مهنة طوال العمر) و(الأمان الوظيفي) وجعل جميع العاملين تحت تهديد الاستبدال بالتقنية لتقوم بمهامهم أو الإقالة بسبب عدم كفاية مهاراتهم بسبب التعقد المستمر للمهن أو بسبب وجود أشخاص آخرين أقل تكلفة يقومون بنفس العمل خارج حدود البلاد أو داخلها.
- تغير تطلعات الناس وتعريفهم للنجاح. فما عاد يكفي أن يكون لك دخل تكسبه آخر الشهر بل تعقدت تطلعات الناس وخاصة للأجيال الجديدة ليكون العمل الذي يقدم لهم معنى ورضى هو النجاح المهني الذي يتطلعون له.
كل هذه العوامل وغيرها جعلت من مجال الإرشاد المهني ليس لمجرد القيام باختبارات ومن ثم تقديم النصيحة عن التخصص الجامعي أو المجال المهني الذي يناسب الشخص بل تطور مجال الإرشاد المهني ليشمل الأمور التالية:
- عملية مستمرة طوال الحياة تسعى إلى تقديم المساعدة للعميل لاتخاذ قراراته المهنية والتعليمية والتي أصبحت واسعة ومتعددة بشكل مذهل
- عملية تفاعلية بين المرشد والعميل تناقش كل ما يدور في ذهن العميل حول حياته المهنية من مشاعر وأفكار وتطلعات وتحديات وتحليلها ووضع خطوات عملية لمواجهتها
- النظر إلى العميل بشكل شمولي ومناقشة شؤونه غير المهنية والتي تتعلق أو قد تتصادم مع حياته المهنية
- مراعاة الفروقات الثقافية والحضارية في الحديث عن عالم المهن والتقييم الذاتي. كم أشعر بالحزن عندما استخدم مقاييس غربية في مجتمعنا العربي دون مراعاة للفروقات اللغوية وطريقة التفكير والاستيعاب
- النظر إلى الوعي الذاتي على أنه عملية متطورة ومستمرة فكلما عرف العميل نفسه أكثر كلما انعكس ذلك على قراراته المهنية والتعليمية حتى يصل إلى أعلى نضج مهني ممكن.
- مناقشة العوامل المؤثرة على التطوير المهني للعميل وما يعززه أو يُعيقه وفق المعطيات الحديثة لسوق العمل من مهارات واتجاهات ومتطلبات
- مساعدة العميل على تحديد مصادر متجددة للتعلم والتطور الشخصي والمهني
- النظر بشكل جاد للتغيير المهني كحقيقة لا يمكن الفرار منها ومساعدة العميل على التعامل معها بجدية وكفاءة لتحقيق طموحاته
هذه نظرة عامة على مجال الإرشاد المهني وأعتذر عن صعوبة اللغة .. إذا تحمست لهذا المجال فأرجو ان تطلع على تفاصيل مهمة إضافية في مقالي: (كيف أصبح مرشد مهني؟)
0 عدد التعليقات