هل تنصحني بدراسة الدكتوراه؟
(خالد) شاب مميز في دراسته الجامعية. درس الهندسة وحقق درجات عالية فيها مما أدى إلى منحه منصب (معيد) في الجامعة. عمل (خالد) سنة في الجامعة قبل أن يلتحق ببعثة خارجية حيث سافر إلى (أمريكا). بعد سنتين، أكمل دراسة الماجستير وحصل فيها على درجة جيدة. وقبل انتهائه من دراسة الماجستير، وقف (خالد) ليسأل نفسه: (هل أكمل الدكتوراه؟) (هل بالفعل أريد العمل في الجامعة؟) (هل أعجبني الجو الأكاديمي؟). كانت هذه الأسئلة محيرة شتت تركيز (خالد) وجعلته متردداً في التقديم لطلب الالتحاق ببرنامج الدكتوراه. ويأتي السؤال هنا: كيف اتخذ قرار المضي قدماً نحو الحصول على الدكتوراه أو التوقف والانخراط في سوق العمل. هناك عدة نقاط ستساعدك على اتخاذ مثل هذا القرار:
أولاً: الدراسات العليا وسيلة وليست غاية
لقد رددت ذلك في مواضع عديدة .. إن الحصول على الدكتوراه ليس هدفاً بل هو وسيلة تقودنا إلى تحقيق غاية ما. عندما نفكر في الالتحاق بدراسة الدكتوراه يجب أن يكون واضحاً أمامنا الهدف الذي سنصل إليه بعد حصولنا على هذه الدرجة. من الأخطاء الشائعة التي أجدها عند الطلاب أن بعضهم يسعى لدراسة الدكتوراه (لأنها تحمل سمعة طيبة) أو (لأنه يحب التعلم) أو (لأن والديه طلبا منه ذلك) أو (لأن هناك بعثة متاحة لذلك). كل هذه المحفزات غير كافية ويجب ألا نبني عليها قرار الانضمام إلى برنامج الدكتوراه. يجب أن يكون حصولك على الدكتوراه من أجل شيء واحد: الوصول إلى هدفك المهني الذي وضعته أمامك والذي يستلزم الوصول إليه الحصول على الدكتوراه مثل (امتلاك المعارف والمهارات الأساسية في مجال دقيق مثل القانون الدولي) أو (العمل في الجامعة كأستاذ جامعي) وهكذا. أما غير ذلك فلا يجب أن يكون محفزاً لك للالتحاق بهذه الدراسة. وهنا سنسأل (خالد): لماذا تود المضي لدراسة الدكتوراه؟ ما الذي تسعى لامتلاكه بعد حصولك على الدكتوراه؟ هل لديك خطة مهنية واضحة وتبين لك أن الحصول على الدكتوراه سيسهل عليك تحقيق أهدافك المهنية؟
ثانياً: هل تخطط للعمل الأكاديمي؟
العمل الأكاديمي هو الهدف الغالب لكل من يفكر في الحصول على درجة الدكتوراه. لكن دعونا لا ننسى أن العمل الأكاديمي لا يناسب كل الناس – كما هو الحال في كل المهن – بل يحتاج إلى ميول نحو التعليم ومساعدة الطلاب بالإضافة إلى الميول نحو البحث العلمي والانغماس فيه. هذان هما العاملان الأكثر أهمية للالتحاق بالعمل الأكاديمي والتميز فيه. إذا كنت تخطط لذلك فالدكتوراه خيار مهم ولا غنى عنه على الإطلاق.
ثالثاً: هل تتوقع دخالاً مادياً عالياً؟
لقد تحسن دخل أساتذة الجامعات في السعودية في السنوات الأخيرة، ومع ذلك فلا يمكن مقارنته بدخل العاملين في المستويات العليا في مؤسسات وشركات القطاع الخاص. هذا على المدى القصير، ذلك أن أستاذ الجامعة البارع يمكن أن يُقدم خدمات عالية الجودة والتكلفة ويحقق دخلاً إضافيا إذا – وإذا فقط – طوّر من خبراته ومعارفه في مجال محدد. وهنا يمكن له أن يحقق دخلاً مادياً مجزياً.
رابعاً: هل تخطط للعمل في مجال بعيد عن الجامعة والحياة الأكاديمية؟
إذا لم تجد أن العمل الأكاديمي مناسب لك فهذا لا يعني أن تتوقف عن التفكير في الالتحاق بدراسة الدكتوراه. فما زال هناك مجالات عديدة يمكنك الالتحاق بها. أرجو أن تتأمل القائمة التالية وتسأل نفسك: هل هذه المهن أو المجالات تقع ضمن خطتي المهنية بالفعل:
-
البحث العلمي:
هناك عدد كبير من مراكز البحث العلمي التي تبحث عن باحثين جادين والمتطلب الأدنى للعمل فيها – في العادة – هو الحصول على درجة الدكتوراه. أعلم أن عدد هذه المراكز قليل في العالم العربي لكنها موجودة وتقوم بأعمال مهمة وحيوية وتبحث عن المميزين. هذا بالإضافة إلى تنامي ظهور مراكز بحث علمي خاصة تهدف إلى الربح وهي مجال خصب وله مستقبل كبير.
-
الاستشارات:
تبحث الكثير من مؤسسات ومراكز الاستشارات عن حاملي درجة الدكتوراه. تتعدد مجالات الاستشارات وأشهرها الاستشارات الإدارية وتلك المتعلقة بالتسويق والمالية والموارد البشرية وبناء المنظمات والاستشارات التربوية والعلمية (كالبيولوجيا) وغيرها. تذكر أنه لا يخلو قطاع مهني من حاجته لبيوت الخبرة التي تقدم أفضل الممارسات وأنجحها للوصول لأفضل النتائج في ذلك القطاع.
-
التخطيط والسياسات العامة:
في كل مجال هناك جهة تقوم على وضع الخطط ومراجعتها ووضع السياسات العامة والتأكد من فعاليتها وتعديلها بما يتناسب مع التغيّرات المختلفة. هذا العمل يحتاج في كثير من الأحيان إلى حاملي درجة الدكتوراه في نفس المجال لكي يتم إنجازه على أفضل معيار.
-
التأليف والكتابة
يتميز الحاصل على الدكتوراه بقدرته العالية على التحليل والمراقبة والمحاكمة العقلية وإصدار الأحكام، وهذا مهم في كل القطاعات المهنية بلا استثناء. ومن هنا كانت أعمال الكتابة والتأليف المتخصص وغير المتخصص من الأعمال التي تتناسب مع حاملي هذه الشهادة.
ملاحظة مهمة:
من الأخطاء الشائعة لدى الطلاب هي فكرة أن الحصول على شهادة الدكتوراه كافي للحصول على مكانة مهنية مرموقة، والحقيقة – للأسف – غير ذلك. الدكتوراه – وعلى الرغم من سمعتها العالية ونظرة التقدير المميزة التي تحمله – لكنها هي بداية السلم ومازال أمام الخريج الكثير لكي يبذله لتحقيق التميز والمكانة المرموقة والدخل المادي العالي.
ختاماً: لقد حاولت في هذا المقال أن أضيئ بعض الجوانب حول قرار الحصول على شهادة الدكتوراه. وأتمنى أن أسمع خبراتك وآرائكم لإثراء هذا الجانب المهم من حياتنا المهنية.
0 عدد التعليقات