كيف تجعل من تجربة الابتعاث مثمرة إلى أقصى حد؟

Posted on

(سعيد) طالب مجتهد. حصل على درجات عليا في الجامعة وهو يستعد الآن للالتحاق ببعثة خارجية. اتصل بي يحدثني عن رهبته من الخطوة التي سيقدم عليها، ووعدته أن أكتب في ذلك. ولقد تحمست لذلك لما أراه من حماسة وطموح لدى كثير من طلاب الأيام – على عكس ما يُشاع عنهم – و للفرصة العظيمة التي يقدمها برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي، والتي من شأنها أن تعد جيل مميّز يساهم بشكل حقيقي وفعال في بناء الوطن وتعزيز التنمية.

 

وعلى الرغم من أن تحديات السفر والغربة والاختلاف الثقافي تشكل تحديات كبيرة أمام الطالب إلا أنني أعتقد أن التحدي الأهم هو قلة الوعي بطرق الاستفادة القصوى من تجربة الابتعاث وتحويلها إلى تجربة تعليمية وتطويرية لا تُنسى. وهنا سأذكر ستة أمور مهمة يجب أن ينتبه لها كل طالب مقدم على هذه التجربة:

 

أولاً: حدد مسارك المهني وليس الشهادة الجامعية:

 

أنت لم تذهب هناك من أجل الحصول على الشهادة .. لا .. أنت ستذهب هناك من أجل امتلاك كل ما تحتاجه للنجاح في مسار مهني محدد. وهذا يعني أنه يجب أن تحدد ما المسار المهني الذي ستسلكه في حياتك القادمة وما المتطلبات للتميز فيه ومن ثم تذهب إلى هناك لاكتساب هذه المتطلبات. والفكرة هنا ألا تجعل الجامعة هي التي تحدد ما يجب عليك تعلمه، بل أنت من يجب أن يقوم بهذه المهمة وتناقش ذلك مع المرشد الأكاديمي هناك. أما إذا كنت تواجه صعوبة في تحديد مسارك المهني فالحل هنا. في جميع الجامعات المتقدمة، هناك ما يسمى بمركز مهني (Career Center). يقدم هذا المركز خدمات عديدة وأهمها مساعدتك على التعرف على المسار المهني الذي يتناسب مع ميولك وقدراتك وطموحك وأهدافك. بل إنه في بعض الجامعات هناك مرشد مهني متخصص بطلاب كل كلية. فهناك – على سبيل المثال- مرشد مهني لطلاب كلية الهندسة على دراية كاملة بمهن الهندسة ومتطلباتها وطرق التجهيز لها وهكذا. المركز المهني يجب أن يكون من محطاتك الأولى التي يجب أن تزورها عندما تصل إلى هناك وليكن سؤالك: (لا أعرف ماذا أفعل في حياتي .. هل يمكنكم المساعدة؟). حتى لو كان مسارك المهني محدد وواضح لديك فاقترح أن تقوم بزيارتهم أيضاً فقد تصل إلى خيارات أخرى لم تفكر بها من قبل.

 

ثانياً: المهارات قبل المعارف:

 

لا تذهب إلى الغرب أو الشرق لتكتسب المزيد من المعارف فهذا يمكن تحصيله وأنت في بيت أمك! أنت مسافر من أجل تطوير المهارات والمقصود في ذلك: أن تطور لديك القدرة على أداء مهام وأعمال محددة ضمن مجالك بطريقة أفضل. ونقصد هنا المهارات الأساسية (الصلبة) في التخصص والمهارات الخفيفية (المتنقلة) مثل: مهارات التواصل والإلقاء والتفكير النقدي والتحليلي والبحث العلمي والعمل ضمن فريق والتواصل مع الثقافات المختلفة والتفكير التجاري وغير ذلك. لاحظ أن هناك فرق بين من يركز على اكتساب المعرفة فتجده في المكتبة يقرأ ويحفظ ويذاكر، وبين من يذهب لتطوير المهارات فتجده في المعمل يراقب كيف يعمل الباحثون، وفي الأحداث الجامعية المختلفة ليتعلم كيف تسير الأمور من حوله، ويقفز لأي فرصة للمشاركة في مشروع جديد.

 

ثالثاً: حسّن لغتك

 

لا تستعجل في خوض غمار الدراسة إلا بعد أن تحسن لغتك الإنجليزية – أو أياً كانت لغة الدراسة. كما يجب ألا تعتمد في تطوير لغتك على المعهد الذي ستلتحق به هناك، بل يجب أن تستخدم جميع الوسائل المتاحة عبر الانترنت وعبر التواصل مع الناس في الشارع من أجل الوصول إلى مستوى لغوي متقدم.

إن من المشاهدات التي لمستها بنفسي هي أن ضعف اللغة والاستعجال في الالتحاق بالدراسة قد يحرمك من الكثير من الخبرات والمعلومات المهمة، فبسبب صعوبة فهمك وإفهامك، سيجعل من أساتذتك وزملائك مترددين في التواصل معك أو سيقومون بتبسيط اللغة إلى درجة قد يضيع المعنى المهم أثناء ذلك.

 

رابعاً: الكلمة السحرية هي (الموقف الشخصي) (Attitude)

 

لا يوجد شيء يمكن أن يمنحك ما تريد هناك مثل قدرتك على اتخاذ موقف شخصي ونفسي إيجابي، وهذا ما يتم التعبير عنه بالإنجليزية بـ (Attitude). الموقف الشخصي يظهر في طريقة حديثك وتواصلك مع أساتذتك وزملائك. فإذا كان إيجابياً ومتواضعاً ومنضبطاً حسب الموقف والشخص والمكان والأنظمة المتعارف عليها، فستترك اثراً إيجابياً لدى الآخرين، وستبني سمعة إيجابية تخدمك كثيراً. ولك بالطبع أن تختار الطرف الآخر أي موقف سلبي متردد ومستهتر وغير مقدر للوقت والمكان والأشخاص والأنظمة وبالتالي ستجد ردة فعل سلبية تحوّل تجربة الابتعاث إلى كارثة!

 

خامساً: العلاقات

 

من المكاسب المهمة التي يجب أن تضعها نصب عينيك دائما وأنت هناك هو مد العلاقات مع أهل التخصص والمهنة التي اخترتها لنفسك. العالم صغير، وهؤلاء سيكونون أسرتك العالمية، وسيكونون لك في المستقبل مورداً مهماً لأي مشروع أو عند تنظيم حدث مهم، أو عند تكليفك بعمل كبير يحتاج إلى محترفين عالميين. تأكد من احتفاظك بطرق التواصل معهم، والأهم من ذلك تأكد من أن تترك لديهم انطباع إيجابي عنك.

 

سادساً: ركز على الاتجاهات المستقبلية وطريقة التفكير

 

من افضل ما يمكنك تحصيله هناك: فهم الاتجاهات المستقبلية للمجال الذي تخصصت فيه، وطرق التفكير الرئيسية التي يسلكها المحترفون فيه. هذه البصيرة مهمة حتى لا تقوم بإعادة صنع العجلة والبدء من جديد، بل الانطلاق من حيث انتهى الآخرون، وهذا سيمنحك أ بعد عودتك مقعداً متقدماً في المكان الذي ستعمل فيه بعد عودتك إلى هنا. 

 

ختاماً: قد تشعر بالانزعاج من كثرة النصائح التي ستوجه لك قبل وأثناء رحلة الابتعاث هذه – كما فعلت أنا للتو – لكن المهم أن تتأكد من الإستفادة من كل ساعة هناك ولتجعلها الرحلة الأهم في حياتك! حفظك الله وسدد خطاك وزادك علماً وتقوى وحكمة.

 

  • مشاركة

0 عدد التعليقات

اترك تعليقك

عنوان البريد الخاص بك لن يظهر.